في قلب مدينة نجع حمادي، شمالي محافظة قنا، ووسط زحام الأسواق وتغيّر الأجيال، لا تزال الذاكرة الشعبية تحتفظ باسمٍ لم تجرؤ السنوات على نسيانه.
هو أحمد علي السيد، الرجل الذي وُلد عام 1939، وكتب لنفسه سطرًا مختلفًا في تاريخ التجارة بالمدينة، بعدما أصبح أول من أدخل تجارة الأدوات المنزلية إلى نجع حمادي، في وقت لم تكن فيه مثل هذه البضائع مألوفة بين الناس.
لم يكن أحمد على السيد مجرد تاجر عادي، بل شهبندر التجار بحق، رجل عُرف بين الأهالي بطيب المعشر، وحسن الخلق، وبساطة التعامل، فكان اسمه يتردد في المجالس بكل حب واحترام، حتى رحل عن الدنيا في عام 2003، عن عمر ناهز 63 عامًا، تاركًا وراءه إرثًا من السمعة الطيبة، ومحلاً صغيرًا صار مع الوقت شاهدًا على بدايات حلمه.
المحل الذي أسسه أحمد علي السيد في قلب المدينة ما زال قائمًا حتى اليوم، يفتح أبوابه كل صباح وكأنه يروي قصة الرجل الذي بدأ كل شيء، وبعد وفاته، لم تغب الملامح القديمة عن المكان، فقد أكمل ابنه عصام المسيرة، واضعًا عينه على نفس الطريق الذي اختطه والده، مُصرًا على الحفاظ على هذا الكيان الذي لم يكن مجرد محل، بل كان بمثابة علامة مميزة من علامات المدينة.
من محل صغير إلى اسم كبير
في زمن لم تكن فيه الإعلانات منتشرة ولا مواقع التواصل جزءًا من الحياة، صنع أحمد علي السيد اسمه من الصفر، عبر التعامل المباشر مع الزبائن، والصدق في البيع، واحترام “الزبون” قبل المصلحة.
لم يكن محل الأدوات المنزلية مجرد مساحة تجارية، بل كان بيتًا مفتوحًا للجميع، يقصده الأهالي لا لشراء الأواني والأطقم فحسب، بل أيضًا للحصول على نصيحة أو حتى جلسة ودّ صافية.
كان يجلس أحمد خلف طاولة خشبية بسيطة، يرحّب بكل من يدخل، باسطًا وجهه بالابتسامة، يرفض الغش أو المغالاة في الأسعار، حتى صار مرجعًا لأجيال من الزبائن والتجار على السواء، ما من أحد تعامل معه إلا وأثنى على أمانته، وما من بيت في نجع حمادي إلا وفيه قطعة من بضاعته.
أب وتاجر.. وإنسان
ورغم انشغاله بالتجارة، لم يغفل أحمد علي السيد عن دوره كأب، أنجب خمسة من الأبناء، بينهم اثنان من الذكور وثلاث فتيات، وغرس فيهم ما تربّى عليه من قيم: احترام الناس، الصدق في العمل، وبرّ الناس كما يُبرّ الوالدين.
وربما كان حرصه على تعليم أبنائه أصول التجارة وأخلاق السوق هو ما جعل ابنه “عصام” قادرًا على حمل الراية بعد رحيله، فبعد وفاة الأب في عام 2003، لم يُغلق المحل أبوابه يومًا، بل استمر في فتحها كل صباح، بقيادة عصام، الذي لم يغيّر من روح المكان شيئًا، محتفظًا بنفس الاسم، ونفس الطريقة، كأن الأب لا يزال حاضرًا بين جدران المحل الخشبي العتيق.
حكاية تتناقلها الألسن
رغم مرور أكثر من عقدين على وفاته، ما زال اسم أحمد علي السيد حاضرًا على ألسنة التجار، يُضرب به المثل في الأخلاق والنزاهة، ويُروى كحكاية ملهمة في عالم التجارة، فلا يزال البعض يقول: “كان ممكن تشتري من غير ما تعدّ.. أحمد علي السيد مش ممكن يغشك”.
في عصر تغيرت فيه مفاهيم السوق، وظهرت فيه أسماء كثيرة، بقي اسم شهبندر تجار نجع حمادي محفورًا في ذاكرة المدينة، كأنه شاهد على زمن مختلف، وعلى رجل لم تكن تجارته بضاعته، بل محبته للناس، واحترامه لنفسه.