في صمت مهيب، ودّعت قرية نجع الشيخ حسين التابعة لمركز أبو تشت بمحافظة قنا، يوم 31 يناير 2023، الحاجة عسكرية حسين مدني محمد حسين، التي شكلت حياتها نموذجًا للتقوى والعبادة، برحيلها عن عمر يناهز الـ 100 عام، طُويت صفحة مشرفة من تاريخ نساء الصعيد اللواتي كرّسن حياتهن لخدمة الناس ونشر الخير.
امرأة من نسل آل البيت
كانت الحاجة عسكرية تنتمي إلى ذرية آل بيت النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهو شرف انعكس على حياتها التي تميزت بالزهد والعبادة. عاشت في عزبة البوصة التابعة لمركز أبو تشت، حيث تفرغت لخدمة الناس وتعليمهم القيم والمبادئ التي ورثتها عن والدها، الشيخ حسين مدني، الذي كان من العلماء والأولياء المعروفين في الصعيد.
حياة مكرّسة للعبادة
رغم تقدم العديد من كبار عائلات أبو تشت وفرشوط لخطبتها، رفضت الحاجة عسكرية الزواج، مفضّلة العيش في كنف العبادة وخدمة زوار ساحة والدها. يُذكر أن والدها رأى فيها كرامة جعلته يتراجع عن محاولاته لإقناعها بالزواج. طوال حياتها، أدت الحاجة عسكرية فريضة الحج مرتين واعتمرت مرات عديدة، كما كرّست وقتها للإصلاح بين الناس وتعليمهم قيم التسامح والمحبة.
قصة بئر خلف الله.. إرث الإيمان
يرتبط اسم الحاجة عسكرية بالبئر التاريخي لجدها، الشيخ خلف الله، الذي يقع في عزبة البوصة.
يحكي أهالي المنطقة أن الشيخ خلف الله حفر البئر طلبًا للماء، لكنه فوجئ بظهور الذهب، ورفض الشيخ الذهب، ودعا الله أن يمنحه الماء بدلاً منه، واستجاب الله لدعائه، وخرج الماء بغزارة في اليوم التالي، ليصبح البئر رمزًا للبركة والإيمان، الحاجة عسكرية، التي نشأت بجوار هذا المعلم، حملت هذا الإرث الروحي طوال حياتها.
وداع مهيب وإرث ممتد
في يوم وفاتها، اجتمع المئات من أهالي قنا وما حولها لتوديع الحاجة عسكرية إلى مثواها الأخير في مدافن آل خلف الله، بجوار آبائها الصالحين، وتركت وراءها إرثًا من الزهد والتقوى، وسيرة طيبة ألهمت كل من عرفها.
100 عام من العطاء
رغم مرور أكثر من عام على رحيلها، لا تزال ذكرى الحاجة عسكرية حاضرة في أذهان أبناء الصعيد. لم تكن مجرد امرأة، بل كانت رمزًا حيًا للقيم النبيلة التي يتغنى بها الناس في قنا، وبرحيلها انتهت رحلة طويلة من العبادة والعطاء، لكنها تركت إرثًا يتجدد مع كل من يزور البئر التاريخي أو يستذكر سيرتها.