كتبت: مريم أيوب
ودّعت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، صباح اليوم، واحدًا من أعلامها الكبار ورجالها الأوفياء، نيافة الأنبا باخوميوس، مطران البحيرة ومطروح والخمس مدن الغربية، ورئيس دير القديس مكاريوس السكندري بجبل القلالي، والذي انتقل إلى السماء عن عمر ناهز 90 عامًا، بعد مسيرة طويلة حافلة بالعطاء الروحي والرعوي والقيادي.
نشأة مبكرة وروح مكرسة للخدمة
وُلد نيافته في 17 ديسمبر 1935 بمدينة شبين الكوم بمحافظة المنوفية، لأسرة صعيدية تنحدر من مدينة إخميم بسوهاج. انتقلت العائلة لاحقًا إلى طنطا، حيث نشأ في كنف الكنيسة وتربى على مبادئ الإيمان والخدمة داخل كنيسة السيدة العذراء، وواصل مسيرته التعليمية في مدرسة الأقباط الملحقة بها.
أظهر منذ صغره ميولًا روحية واضحة، فالتحق في سن الرابعة عشرة بفصل إعداد الخدام في كنيسة الأنبا بيشاي بالزقازيق، وكان أصغر أعضاء هذا الفريق الخدمي. وتعددت خدماته في كنائس القاهرة، منها كنيسة القديس الأنبا أنطونيوس بشبرا وكنيسة العذراء بمهمشة، كما تولى منصب سكرتير اللجنة العليا لمدارس الأحد بالجيزة.
من الراهب أنطونيوس السرياني إلى مطران الخمس مدن الغربية
في نوفمبر 1962، ترهّب باسم الراهب أنطونيوس السرياني في دير السريان بوادي النطرون، حيث عاش حياة النسك والتأمل. وفي 12 ديسمبر 1971، تمت سيامته أسقفًا بيد قداسة البابا شنودة الثالث، في أولى سياماته بعد توليه الكرسي البابوي، ليُرسل الأنبا باخوميوس راعيًا لإيبارشية البحيرة ومطروح والخمس مدن الغربية.
طوال 54 عامًا من خدمته الأسقفية، استطاع نيافته أن يحوّل الإيبارشية إلى نموذج في الرعاية والتنظيم، حيث سام أكثر من 227 كاهنًا، وأسهم في بناء وتجديد وتدشين ما يزيد عن 190 كنيسة، إلى جانب اهتمامه بالرهبنة والتكوين الروحي، من خلال تأسيسه ورئاسته لدير القديس مكاريوس السكندري.
قيادة استثنائية في زمن انتقال
بعد نياحة البابا شنودة الثالث في مارس 2012، عهد المجمع المقدس إلى نيافة الأنبا باخوميوس بمسؤولية قائمقام البطريرك، وهي مهمة دقيقة في فترة حساسة من تاريخ الكنيسة. وبحكمة الأجيال وخبرة العقود، قاد الكنيسة لثمانية أشهر بمنتهى الاتزان، حتى تجليس البابا تواضروس الثاني في نوفمبر من العام نفسه، ليحصد تقدير الكنيسة في الداخل والخارج، ويُلقب بـ”ربّان أعالي البحار” لما أظهره من حكمة ورؤية.
أب ومعلم ومرشد لأجيال
لم تكن خدمته مقصورة على الرعاية الإدارية أو التنظيم الكنسي، بل كان أبًا ومربيًا ومرشدًا لأجيال من الكهنة والخدام والرهبان، تخرج من تحت عباءته الروحية قداسة البابا تواضروس الثاني نفسه، الذي وصفه بأنه “سبب بهجة ووداعة”، مشيدًا بصدقه في الخدمة وعمقه الروحي.
وقد لقبه الكثيرون بـ”حكيم الكنيسة” لما كان له من رأي سديد وكلمة موزونة ومواقف ثابتة في المحافل الكنسية الكبرى، وهو اللقب الذي رسّخه في قلوب محبيه من الشعب والخدام والأساقفة.
ترتيبات التجنيز والعزاء
من المنتظر أن تُعلن الكنيسة خلال الساعات المقبلة عن مواعيد وتفاصيل جنازة الأنبا باخوميوس، وسط حالة من الحزن تخيم على كل من عرفوه أو تتلمذوا على يديه، أو تتبعوا سيرته ومسيرته.