وردة صغيرة لم تبلغ بعد عامها السادس، تمسك بأجزاء من ملابس والدتها، لتخفى وجهها فيها حينا، وتظهر ابتسامتها البريئة حينا أخر، وحين تسألها عن اسمها تذكر الاسم الأول فقط، و إذا سألتها عن حبها للمدرسة، تجيب بأنها لم تذهب إليها من قبل، والسبب هو عدم امتلاكها لشهادة ميلاد واقعية.
العلاقات غير الشرعية
حالة هذه الطفلة يماثلها ألاف الأطفال، الذين قد يجد بعضهم سبيله في الشارع، أو تأويه دار لرعاية الأطفال الأيتام واللقطاء، بعد أن يكبر الطفل في العمر، وتصبح شابة أو يصبح شابًا، محاولًا تذكر لحظات العثور عليه ملقيًا في الشوارع، دون قلب أو رحمة، فالمأساة يعيشها الطفل منذ ولادته وحتى وفاته.
هنا في مدن ومراكز محافظة قنا، حيث ناقوس الخطر والمأساة، الذي بدأ المواطنين يسمع دويها منذ فترة، وتحديدًا قبيل شهور قليلة، فلم تكتب حوادث العثور على الأطفال اللقطاء، الذين يتم العثور عليهم، سواء على قيد الحياة أو فارقوها السطور الأخيرة في تلك الجرائم، الغريبة عن المجتمع الصعيدي.
إحصائية خطيرة، أعدها موقع “بتوقيت النجع” للأطفال الرضع حديثي الولادة، الذين عثر عليهم دون أن يمر على ولادتهم أكثر من 24 ساعة، كان اخرها العثور على 3 رضع مابين قتيلًا وعلى قيد الحياة، خلال أقل من 72 ساعة فقط بمدن نجع حمادي وأبوتشت شمال قنا، دون أن يتم التعرف على هويتهم.
هذا ليس فقط، إنما الاحصائية الكاملة، ستفجر كارثة حقيقة تدق ناقوس الخطر خلال الفترة الحالية بمدن ومراكز محافظة قنا المختلفة، الأمر الذي يعد جديدًا وغريبًا على المجتمع الصعيدي، وذلك لأن حوادث العثور على الأطفال الرضع، تكون العلاقات الغير شرعية، هي كلمة السر فيها.
منذ بداية شهر يناير الماضي في بدايات عام 2021، وبدأت الكارثة في الظهور، حينما عثر الأهالي على طفلًا رضيعًا، ملقي في الشارع، وأبلغت الأجهزة الأمنية بالواقعة، لتستمر تلك الحوادث في كتابة سطورها بأحرف من دماء هؤلاء الأطفال.
طفلًا واحدًا يتم العثور عليه كان كفيلًا، أن يبدأ قصة العثور على باقي الاطفال، حيث تم العثور على مايقرب من 23 رضيعًا، مابين أطفالًا عثر عليهم جثثًا، ومابين أطفالًا عثر عليهم وهم لا يزالوا على قيد الحياة، وذلك في جميع أنحاء مدن ومراكز المحافظة المختلفة.
انتشار هذه الظاهرة التي صنفت ضمن جرائم خارج عادات الصعايدة، فضلا عن عدم التوصل في معظم الحالات إلى الجناة، إلى جانب كون أن العديد منها كانت تحكي مأساة، في طريقة العثور على هؤلاء الأطفال.
الحوادث كانت مختلفة، حيث تنوعت حالات العثور على الأطفال، مابين صناديق القمامة، ومابين على بوابات المساجد ومداخل العقارات والترع والمصارف، وذلك بأنحاء عدة بمدن ومراكز محافظة قنا التسع.
كلمة السر في حوادث العثور على هؤلاء الاطفال، هي العلاقات الغير شرعية، وذلك وفقًا لما كشفته تحريات المباحث الجنائية في عدة حوادث منها، والتي كان من أبرزهم واقعة شهر مايو من العام الجارى 2021، بعدما عثر على رضيع أمام أستاد مدينة قنا.
الطفل الذي عثر عليه أمام استاد قنا، توصلت الأجهزة الأمنية إلى والديه، بعد فحص كاميرات المراقبة، ولكنه توفي بعد معرفة والديه، مما أثار غضب الأهالي وطالبوا بمحاكمة والديه، بتهمة القتل العمد، بعد أن ألقوا برضيعهما في الشارع.
وكشفت التحريات أنه بعد القبض على والدة الرضيع اعترفت على والده بأنه شاب يُدعى “أحمد”, 20 عامًا، مقيم ببندر قنا، وتم ضبطه واستدعاء والدتها للتحقيق معها بعد التستر عليها وعدم الإبلاغ عن العلاقة غير الشرعية، والتي تسببت في حملها سفاحا، بالإضافة إلى المشاركة في إلقاء الطفل أمام استاد قنا الرياضي بالقرب من موقف سيارات قوص بمدينة قنا، وتم إخلاء سبيلها عقب انتهاء التحقيق.
وأوضحت التحريات بعد تفريغ كاميرات المراقبة بموقع العثور على الرضيع، أن والدة الرضيع طفلة 15 عاما، ومقيمة بمركز قنا والرضيع من علاقة غير شرعية، لافتا إلى أنه تم التحفظ على الأم.
تضامن قنا تكشف أعداد الأطفال
أحد أطراف التحقيق، الذي أعده محررو “بتوقيت النجع” كان حسين الباز، وكيل وزارة التضامن الاجتماعي بمحافظة قنا، الذي بدأ بدء حديثه قائلًا:”ليس أسمهم اللقطاء بل هم أسمهم كريمي النسب”.
يقول وكيل وزارة التضامن الاجتماعي، أن أعداد الأطفال التي تم العثور عليها، تصل لـ23 طفلًا منذ بداية عام 2021 الجارى، لافتًا إلى أن تلك الأعداد ليس كبيرة مقارنًة بالتعداد السكاني لمحافظة قنا والذي يتخطى المليوني ونصف مواطنًا.
ماذا بعد العثور على الرضيع؟
ويضيف وكيل الوزارة في سياق تصريحاته، أن القانون يراعى مصلحة الطفل، حيث أنه وضع في ظروف ليس له يد فيها، فبعد أن يتم العثور عليه، يتم تحرير محضرًا بقسم الشرطة، والنيابة العامة تختار له اسمًا اعتباريًا وينسب لوالديه فقط حيث يتم اختيار الأسم الأول من رب الأسرة التي تكفله إلى جانب اسم الأم، ويتم استخراج شهادة ميلاد له ثم يسلم للرعاية في وزارة الصحة، التي تتولى الإشراف عليه وتقدم له التغذية لمدة عامين.
وتابع الباز، أن القانون قد أجاز للأسر المحرومة من الإنجاب أن تتقدم بطلب كفالة لوزارة التضامن بطلب كفالة وليس تبني، حسبما يشير الدين الإسلامي، منوهًا إلي أن الأطفال التي يتم العثور عليها يتم الاحتفاظ بها في الرعاية بأعمار متفاوتة في المركز الأوروبي بقنا الذي يتبع وزارة الصحة والسكان.
وذكر وكيل الوزارة، أنه قد تصل أحيانًا أعداد الأطفال في المركز الأوروبي بقنا لما يقرب من 10 أو 15 طفلاً، يكونوا في احتياج لأسرة تكفلهم، حيث أن التضامن الاجتماعي تستقبل طلبات الأسر للكفالة، ولابد من مستوى فكري ودخل مادي معين، حتي تكفل ما اسماه “ابن الحكومة”.
220 طفل تكفلهم أسر في قنا
وأردف وكيل التضامن بقنا، أنه يتم فتح حساب توفير للطفل المكفول، وذلك لكونه لا يرث، ويتم عمل بحث اجتماعي للأسرة التي تتقدم بطلب كفالة، لأن الطفل يسلم لتلك الأسرة كوديعة مراعاة للطفل، منوهًا إلي أنه هناك مايقرب من 220 طفلًا في أنحاء المحافظة تكفلهم أسر محرومة.
وتؤكد الدكتورة سامية خضر، أستاذ علم الاجتماع، أنه لا يمكن الجزم بأن أعداد الأطفال مجهولي النسب فى ازدياد فى صعيد مصر وبالتحديد فى محافظة قنا، جنوب صعيد مصر حيث تحكمنا العادات والتقاليد.
وتابعت أستاذ علم الاجتماع، أن ما يحدث فى الآونة الأخيرة عبارة عن انفلات اخلاقى، ولكن أيضاً ليس بشكل عام كوجود بعض الشباب والشابات الذين تروج لهم أنفسهم الأفعال المنافية للشرع، وعادات وتقاليد الصعيد المصرى مما ينتج عنه أطفال مجهولي النسب، فالتخلص من الخطأ يكون بخطأ مماثل.
حماية الطفل: البعد عن الدين والأخلاق
أما حنان فوزى،المسئولة عن وحدة حماية الطفل للوحدة المحلية بمدينة نجع حمادي شمال محافظة قنا، كشفت ان ظاهرة الأطفال الذين يتم العثور عليهم في شوارع المدينة وقراها، هي بسبب بُعد المواطنين مؤخرًا عن الدين والأخلاق التي يأمرنا بها الدين.
وتشير فوزى، أن وسائل التواصل الأجتماعي، لها دور هام في تفشي هذه الظاهرة بسبب الاستخدام الخاطئ له مما أدي إلي إقامة علاقات غير شرعية علي الواقع، مطالبًة بعقد ندوات توعية تكون بحضور الشباب وكبار السن أيضًا، لتوعية أولياء الأمور كيفية مراقبة بناتهن لعدم الوقوع في هذه الكارثة.
نجع حمادي: ندى بدر، نورهان أبوستة