علي الرغم من كونها في العقد السادس من العمر، إلا إنها امتهنت مهنة الرجال، وقررت أن تعمل “عتالة” لتحمل الأسمنت والحديد، وذلك بحثًا عن لقمة العيش لتنفق علي أسرتها المكونة من ثلاثة أبناء، لتدخل عامها السادس عشر، عاملةً في حمل الحديد وشكائر الأسمنت.
“المرأة الحديدية” هكذا يسمونها في أقصي صعيد، وبالتحديد قرية السنابسة التابعة لمركز الوقف شمالي محافظة قنا، حيث تقيم صباح أحمد علي في الوقف ، البالغة من العمر 52 عامًا، التى أمضت مايقرب من 16 عامًا، في عملها “عتالة” مرتديةً ازياء الرجال، بحثًا عن العائد اليومي في حمل الحديد والأسمنت للبحث عن 50 جنيهًا يوميًا من أجل ان تقضي إحتياجات أسرتها.
بدأت رحلتها الصعبة في الحياة، بالعمل في حمل الحديد و”شكائر” الأسمنت، منذ مايقرب من 16 عامًا، بعدما تزوجت من عامل، وأنجبت منه 3 أبناء، وهرب الي محافظة الإسكندرية وانقطعت صلته بها وبأبناؤه، لتقرر السيدة الخمسينية في عام 2006 البحث عن عمل يكفيها طلب الحاجة من المواطنين، قائلةً”جوزي بعد ما خلفت منه 3 عيال سابني وهرب بعدما تراكمت عليه الديون”.
السيدة ذات العقد السادس من العمر، قررت ارتداء أزياء وملابس تشبه ملابس الرجال، بعدما أجبرتها الظروف المعيشية الصعبة، على العمل الشاق، حتى تتمكن «صباح العتالة»، من الحصول على عائد مادي، يساعدها على تحمل مصاريف الحياة هي وأبنائها، رافضةً الزواج مرةً ثانية، بعدما فشلت كافة محاولاتها للوصول الي زوجها الهارب.
التغلب على الظروف الصعبة
قررت السيدة الصعيدية، التغلب علي الظروف الصعبة، بهروب زوجها من الديون، وعدم قدرته علي تحمل النفقات المعيشية للأسرة، لتحاول التقرب من صاحب مستودع للحديد والأسمنت بالقرية التى تقيم بها، وذلك من أجل العمل معه لتجني ثمرة تعبها بلقمة العيش الحلال، قائلةً”مكنش فيه حل تاني لأني مليش في اي سكة او طريق غلط “.
المراة الحديدية، طلبت من مالك المستودع، ان تعمل معه في اي عملًا، نظرًا لعدم وجود دخل مادي يكفيها هي أو أسرتها، ليوافق علي الفور ان تعمل معه السيدة صاحبة الجسد النحيل كعاملة “باليومية “، لتكافح وتكتب سطورًا من المعاناة لمدة تقارب الـ 16 عامًا علي التوالي.
صباح الخمسينية، حاولت تحمل أعباء العمل، والأثقال التى تحملها فوق كتفها، لتضاهي الرجال في تلك المهنة، بحكم أنها إمراة، قائلةً” أصبحت الاختيار الأول لأصحاب المستودعات في حمل أطنان الحديد والأسمنت وغيرها من مواد البناء”.
تقول السيدة صباح “العتالة ” كما يعرفها ابناء قريتها، إنها عندما ضاق بها الحال ووجدت أسرتها تضيع أمام أعينها، قررت العمل مهما كان العمل او المهنة ولكن الشرط الوحيد ان تكون تلك المهنة شريفة، لافتًا الي إنها اضطرت للعمل حتي ترعي أطفالها وتنفق عليهم وتكبرهم بعدما تركهم والدهم.
سددت ديون زوجي من “العتالة”
وتضيف السيدة الصعيدية، إنها عملها في حمل الحديد والأسمنت تلك المدة، تمكنت من خلاله من سداد ديون زوجها الهارب، وتمكنت من تزويج ابنتها الوحيدة، فضلًا عن تمكنها من الإنفاق علي أبنائها الإثنين حتي كبرا وأصبحوا يساعدانها في العمل، قائلةً”الحمدلله علي كل حال رزق ربنا كبير”.
وتشير السيدة، إن زوجها لا يتواصل معها إلا تليفونيًا كل 6 أشهر، وتطالبه في اي مكالمة هاتفية تجمعهما بالعودة الي المنزل مرةً أخري بعد كل هذه السنوات من الغياب، إلا أنه دائمًا مايرفض ذلك، مبررًا كونه تخطي الـ 60 عامًا، ولا يوجد له أي عمل بمحافظة قنا، يمكنه من الإنفاق عليها وعلي أبنائها، قائلةً”سابني ومشي وبطالبه يرجع تاني ومش بيرضي”.
وأوضحت صباح إنها تخرج من منزلها في الساعات الاولي من صباح كل يوم، وبالتحديد في السابعة صباحًا، لتحمل الأسمنت والحديد فوق كتفها وجسدها، وتقوم بتحميله علي السيارات التى يجلبها المقاولين او الراغبين في شراء تلك المنتجات، منوهةً إلي أن رزق قليل أفضل بكثير من البحث عن المال بطريقةً غير مشروعة.
وتذكر المراة الحديدية، أنها واجهت العادات والتقاليد في الصعيد، التى تحرج بل وتجرم عمل المراة في مهن بعينها، مخصصة للرجال، ولم تلتفت لأي شخص او أحد يحاول التقليل منها، فهي تبحث عن لقمة العيش الحال، قائلةً”مبصتش للناس اللى بيبصوا عليا ويشوفوني لاني كنت عايزة اعمل حاجة لنفسي ولعيالي فأنا حاولت وثابرت وكفاحت من أجل أولادي”.