بتوقيت النجع
في قرية الكرنك التابعة لمركز أبوتشت شمالي محافظة قنا، لا يُذكر اسم المفكر الإسلامي الدكتور رشدي فكار إلا مقترنًا بالفخر والعلم والتنوير، فالقرية التي وُلد فيها عام 1928، لا تزال تحتفظ باسمه محفورًا في الذاكرة والمكان: مسجد رشدي فكار، مدرسة رشدي فكار، ومعهد فتيات يحمل اسمه، وكلها شواهد على رجل لم يبخل بعلمه أو عطائه، فغاب الجسد، لكن بقي الأثر.
منذ طفولته، أظهر فكار نبوغًا مبكرًا، حفظ القرآن الكريم في سن صغيرة، والتحق بمعهد قنا الديني، ثم أكمل تعليمه بالأزهر الشريف في القاهرة، قبل أن يشد الرحال إلى أوروبا ليبدأ رحلة علمية استثنائية.
حصل على البكالوريا الفرنسية، ثم دبلوم الدراسات العليا من جامعة السوربون، وليسانس الآداب “تخصص فلسفة” من جامعة جنيف، ثم دكتوراه الدولة من باريس عام 1956، ليصبح لاحقًا أستاذًا بجامعة جنيف وجامعة محمد الخامس بالمغرب، وعضوًا بأكثر من 42 جمعية علمية دولية.
مسيرة عالمية.. وتكريم لا يُنسى
لم تكن إنجازات فكار الأكاديمية حبيسة القاعات الجامعية، بل كانت لها أصداء دولية، فقد اختارته الحكومة السويسرية ضمن فريق علمي رفيع لدراسة آثار الثروات المتضخمة على المجتمع، وكرمته بإطلاق اسمه على أحد شوارع العاصمة السويسرية، وهو تكريم نادر لرجل عربي، كما اختير رئيسًا لجمعية “الأيدو” العالمية، التي تضم في عضويتها عددًا من المرشحين والحاصلين على جائزة نوبل.
ترك فكار أكثر من 17 مؤلفًا، وموسوعة، و100 بحث ودراسة علمية، نُشرت بلغات متعددة، وتناولت موضوعات تمتد من الفلسفة الإسلامية إلى علم الاجتماع وعلم النفس، ليصبح بحق أحد أبرز المفكرين العرب في القرن العشرين.
العطاء لأرض الجذور
رغم مسيرته العالمية، لم ينس رشدي فكار قريته الكرنك، فقرر أن يهب منزله وممتلكاته لخدمة التعليم والدين، فكان ثمرة ذلك معهد فتيات ومدرسة ومسجد يحملون اسمه، تخرج منهم أطباء ومهندسون ومعلمون وضباط، ما جعله قدوة ومصدر إلهام للأجيال الجديدة.
يقول اللواء مختار فكار، ابن عمه: “فكار لم يكن مجرد عالم، بل كان مشروعًا تربويًا متكاملاً، لم ينس جذوره، بل حاول أن يزرع بذور النور في أرضه، ليحصدها أبناء القرية من بعده”.
رجل عبر الزمن
توفي المفكر الإسلامي الدكتور رشدي فكار في أغسطس 2000، لكن ذكراه باقية، تحكيها جدران المدارس، وكتب المكتبات، ولسان أهل قريته.
فكار لم يكن مجرد مفكر، بل نموذجًا يُحتذى في السعي إلى العلم والارتقاء بالوطن، من قرية صغيرة في أقصى الصعيد إلى ساحات الجامعات العالمية.
