هل شاهدت فيلم «النمر الأسود»؟ .. كانت البطلة «وفاء سالم» تُعلم البطل الفنان أحمد زكي اللغة الألمانية وهو كان بالمثل يعلمها العربية، تفاصيل شديدة الشبه وقعت مع الفنان أحمد عطا الله، تعرف في مطلع حياته الفنية على«منى» فتاة مسلمة ألمانية من أب مصري وأم ألمانية، في جلسة تسجيل بستوديو في القاهرة، عرضت عليه أن يعلمها العربية وهي تعلمه الألمانية، ودعته للسفر إلى برلين لأجل ذلك الغرض، وتكرر سيناريو فيلم «النمر الأسود» مضافًا إليه مشهدًا جديًدا.
المشهد الجديد هو أن الفتاة الألمانية قررت السفر وأسرتها إلى الغردقة في مصر في أثناء إقامة «عطا الله» في برلين، وسألته عن عائلته وأين تقيم في مصر؟ وعند عودتها إلى ألمانيا تقابلت معه وأهدته 120 صورة فوتوغرافية تصّور كل تفاصيل مسقط رأسه، وهي مدينة نجع حمادي في محافظة قنا، كانت المفاجاة مذهلة له للدرجة التي أبكته، كان ذلك إعلان من الفتاة الألمانية أنها أحبته، قرر «عطا الله» الارتباط بها وتمم زواجه منها في الأكاديمية الإسلامية في برلين، وأنجب منها «دينا» وتدرس الاقتصاد والعلوم السياسية و«أدم» في المرحلة الإعدادية.
لم يكن بكاء الفنان المصري العالمي أحمد عطا الله، عند مشاهدته لصور بلدته سوى إيقاظًا لذاكرته بتفاصيل النشأة والطفولة الصعبة في بلدته، ولدُ «عطا الله» في أسرة فقيرة مكونة من 6 أبناء لأب يعمل «سروجي سيارات»، ولم يكن يمتلك ورشة، وكان الابن «أحمد» هو المساعد لوالده بأجر يومي «تعريفة»، لم تمض الحياة على هذا المنوال بل كانت أشد قسوة ففي سنة 1962 توُفي الأب تاركًا أسرته تواجه الحياة.
التحق أحمد عطا الله بدار الشبان المسلمين التي تدعم غير القادرين، وتعلم حرفًا يدوية وموسيقى وبرع في العزف على آلة «الكلارنيت»، وكان تعلمه العزف في تلك الدار هي بداية انطلاقه عالميًا في الموسيقي، في سنة 1975 ألتحق عطا الله بقسم اللغات الشرقية بكلية اللغات والترجمة في جامعة الأزهر، وكانت الموسيقى تأخذه أكثر من الدراسة في القاهرة.
وكهاوٍ تنقل أحمد عطا الله من فرقة إلى أخرى في القاهرة، واضطر لشراء آلة «الكلارنيت» بحالة رديئة، وكان أجره كعازف في سنة 1975 جنيهين، واستدان مبلغ 90 جنيهًا ليشتري ساكسفون مستخدم من عازف بترت ساقه في حرب 73 فاعتزل الفن بعدها، ولم يكن«عطا الله» يجيد العزف على الساكسفون وعلّم نفسه بنفسه.
في سنة 1988 تعرف أحمد عطا الله على الفنانين «علي كوبان» مؤسس الفرقة النوبية، و«بحر أبو جريشة»، و«حسن بشير»، وتبنوه فنيًا، ولم ينجح «عطا الله» في مرافقة فرقة «كوبان» في رحلتها الفنية إلى السودان لعدم استخراجه جواز السفر، وأجّر آلة الساكسفون الخاصة به لعازف آخر سافر بديلًا عنه وتقاضى مبلغ مائة جنيه نظير ذلك، وفشلت الرحلة الفنية للفرقة بسبب الانقلاب على نظام الرئيس النميري في السودان، وتم إلغاء 4 حفلات فنية كانت ستحيها الفرقة هناك.
بعد ذلك بعامً واحد دُعيت فرقة «علي كوبان» للمشاركة في مهرجان الأغنية الشرقية في ألمانيا في مسرح «التمبدروم» في برلين، بالإضافة إلى فرقة الفنانة «أنوشكا»، وفرقة «عبدالعزيز مبارك» من السودان، وبعد عروض موفقة أمام آلاف المشاهدين حصلت فرقة كوبان على الاسطوانة البلاتينية وهي الجائزة الأولى في المهرجان، وكان أحمد عطا الله أكثر المستفيدين من هذه الرحلة، ذاع صيت الفرقة في كل أوروبا وتمت دعوتها لإحياء 25 حفل فني في 10 دول أوروبية، وتعاقدت شركة «بركانيا» الألمانية لتسجيل اسطوانات مع الفرقة في القاهرة، وشارك الفنان محمد منير كضيف شرف بتسجيل دويتو مع علي كوبان، وفي استراحة الغذاء في ستوديو «العربي» بشبرا، ألقت فتاة ألمانية التحية باللغة العربية على «عطا الله» بعد أن أنهى أداء صلاة العصر، وهي نفسها التي أصبحت زوجته فيما بعد.
غادر أحمد عطا الله مصر واستقر في ألمانيا، وترك الفرقة النوبية بعد ارتباطه بزوجته الألمانية، وحصل على تصريح العمل والإقامة وفق القوانين الألمانية، وغيّر نشاطه الفني من نوبي إلى شرقي، ليدخل الفن الشرقي بالساكسفون إلى أوروبا، وتأقلم مع المناخ الألماني في العمل والحياة، وهو يقول «الألمان شعب يعاشر بسرعة ويحب بسرعة ويتأقلم مع الجنسية الأخرى بسرعة، ولكن على الشخص الآخر أن تتوفر فيه ما يؤقلمه مع هذا المجتمع من الصدق، والأمانه، والوفاء بالوعد، وإنجاز العمل كما يريدون وليس كما تريد، ودقة المواعيد».
في سنة 2003 توفي عازف الساكس الأول في مصر سمير سرور، وعرف أحمد عطا الله بالخبر، وسعى جاهدًا لشراء آلاته الموسيقية التي بدأت أسرته في عرضها للبيع، وغادر إلى مصر ونجح في شرائها ليستحوز على تراث سمير سرور وينقله إلى ألمانيا، ويحقق أمنية الراحل في الحفاظ على تراثه بعد وفاته، ويتحفظ «عطا الله» على القيمة المالية للشراء ويصف تراث سمير سرور أنه كنز لا يقدر بمال.
وتعارف سمير سرور و«عطا الله» في مصادفة غريبة، ففي سنة 1988 استدان الأخير مبلغ 1200 جنيه ليتشري ساكسفون من نوعية selmer super Action 80 من متجر في حي الأزهر، وبعدها بعام فوجئ «عطا الله» بأربعة ضباط شرطة وسمير سرور وصاحب المتجر يطرقون باب شقته في القاهرة، وعرف أن الساكسفون تمت سرقته من شقة سمير سرور ومعه مصوغات ذهبية قيمتها 14 ألف جنيه، ورد عطا الله الساكسفون إلى صاحبه، وكانت هذه الواقعة بداية العلاقة والصداقة بين الطرفين يقول عطا الله “أصر سمير سرور أن يدعوني للعشاء في منزله، وكانت أجمل ليله فى حياتي معه ومع أسرته، وأحضر من غرفته 2 ساكسفون وأخذنا نعزف سويًا حتى الخامسة صباحًا، ودعاني للتعرف على الفرقة الماسية في اليوم التالي فى مقهي لا يدخل فيه سواهم، وقال لهم «ده أحمد اللى كان مشترى الساكسفون بتاعى المسروق، وأحب أقول لكم بإخلاص سمعت عزفه بالأمس وهو خليفتي من بعدي في الساكسفون، وكان لي الشرف الكبير واستمرت علاقتي به أكثر من أربعة سنوات”.
ورغم الزيارات المتكررة للفنان محمد منير إلى ألمانيا، فإنه لم يحدث تعاون فني بينه وبين«عطا الله»، سوى مرة واحدة عندما أحيا منير زفاف أحد أصدقائه هناك، ويقول عطا الله “منير يتردد كثيرًا على ألمانيا ولكن ليس فنيًا ولكن للعلاج حيث يعاني من مشاكل صحية عديدة، وهو لا يقوم بحفلات كبيرة بل جلسات السمر مع العرب والمصريين في جلسات صغيرة، وتكون أغلبها في مدينة فرانكفورت تبعد عنى بحوالى 680 كم وهو ما يتعذر علّي أن التقيه في كل زياراته ولكن إذا عُرض عليّ العمل معه فيكون لي الشرف فهو إنسان وفنان محترم بشرط ألا يتعارض مع عملي وأسرتي”.
ويمارس الفنان أحمد عطا الله نشاطه الفني متنقلًا بين دول أوروبا بمصاحبة فرق «سلامات» و«إيجيبت ستار» و«فرقة لندن»، ووتدير زوجته في برلين متجرًا متخصصًا في بيع الآلات الموسيقية والملابس الفلكلورية ويقوم هو باستيرداها من دول مصر، وتركيا، والهند، والصين، وباكستان، وأفغانستان، وهو أول من عّرف الألمان على «العمة الصعيدي»، ولا يعتبر نفسه مليونيرًا ويقول أعيش وأسرتي حياة رغدة وأكسب كثيرًا من عملي ولا أحب الادخار، ويحرص على زيارة مسقط رأسه مدينة نجع حمادي بمحافظة قنا 3 مرات سنويًا.