تراه جالسًا أمام بيته متأملًا، لا تبدو عليه علامات النبوغ أو التفوق، إلا أن الموهبة المتفجرة داخله تبهرك بمجرد أن ترى صنع يديه، حاله كحال الكثير من الشباب، لا يملك من الدنيا الكثير، لكن ليديه سحر يمكنه من تحويل التراب إلى تحف فنية.
نحات بنجع حمادي
يمتلك محمد محمود، أو توفيق فريز كما يلقبه الناس، موهبة فريدة في التمثيل بالطين، وبرغم عدم امتلاكه ورشة متخصصة لهذه الصناعة، لكنه يصنع في مساحة صغيرة داخل منزله المتواضع، منتجات ربما لا تراها في أرقى مصانع المنحوتات والتحف، ليقدم “فريز” قطعة فنية يشكلها بأصابعه في دقائق دون الاستعانة بأي معدات مكلفة، أو وسائل مساعدة.
يتميز “فريز”، إلى جانب دقة تمثيله، بالسرعة في التنفيذ، حيث يمكنه أن ينهي تمثالًا بملامح واضحة في 15 دقيقة، ومما يجعله إنتاجه ذو جودة عالية، أنه ينحت القطعة بإحساسه، على حد وصفه، ولهذا السبب لا يستخدم أدوات في التمثيل، حتى يتمكن من تحسس المنتج بيديه، وتشكيله بأصابعه التي يحركها إحساسه، كما يقول.
يبدأ “فريز” الآن في إنتاج منحوتة للرئيس السيسي، ويحكي حول هذه المنحوتة أنه يتمنى أن يهدي الرئيس منحوتته بنفسه، كما يريد شكر الرئيس على ما يقدمه من دعم للمواهب الشابة، فمن هذا المكان الصغير في إحدى قرى مركز نجع حمادي، من محافظة قنا بصعيد مصر، يخرج فنان صعيدي مولع بفنه ويحلم بالوصول إلى العالمية.
قطعة من الطين، ومزاجًا صافيًا، كفيلة بأن تجعله يشكل أبدع وأروع الأشكال الفنية، من الطين الخالص دون إمكانيات، فقط أصبعه الإبهام.ينتمي محمد محمود فريز عبدالكريم، الشهير بتوفيق فريز، 22 عامًا، إلى قرية موجب الهيشة بنجع حمادي، وهو موهوب في تشكيل ونحت أشكال بالطين.
شاب حالم، لا يعبأ كثيرًا بما يحدث حوله، حتى أنه لا يحمل هاتفًا محمولًا، فهو يفضل أن ينخرط في عالمه منعزلًا، يحول ما يشاهده حوله إلى تماثيل، وتجسيد وجوه من حوله بالطين، الذي يرافقه منذ سنوات طويلة.حصل محمد على دبلوم الزراعة منذ 4 سنوات، وهو يقتات من صيد السمك وبيعه، ولديه 3 إخوة، مصطفى وأحمد وكريم، توفي والدهم من سنوات، لينتقلوا بصحبة أمهم من قرية نجع قطية، مسقط رأسهم، إلى قرية موجب الهيشة.
يروى فريز رحلته مع الطين، وكيف حصل عليه من أسفل “الزير” بمنزله، وبدأ يلعب به، مشكلًا “عربية -فروجه- حمامة- صقر ونسر”، أو أي شئ يراه، ويظل يلعب به لساعات طويلة دون ملل.لا يستخدم فريز أي أدوات مساعدة في تشكيل ونحت أشكاله، لقلة الإمكانيات، كما أنه يرى أن استخدام الأدوات يقلل من جودة وحرفية الشكل، قائلًا: “أصل بالأدوات مش هيكون في إحساس، والتمثال مش هيطلع زي صوابعي”.
تحسس الفنان من طلبي بتشكيل أحد التماثيل أمامي لتصويره، أعتقادًا منه بعدم تصديقنا له، بدأ أصبعيه في تشكيل عجينة طينية صماء ليحولها إلى تمثال بملامح دقيقة، في مدة لم تتجاوز 15 دقيقة، عيناه كانت تنظران فقط للعجينة بملامح متقلبة وكأنه يحاورها.“بتفضل مركونة وبتتشقق وبتموت علشان من الطين”، هكذا يروي محمد بحسرة مصير تماثيله، التي يقوم في أحيان كثيرة بتهشيمها بنفسه قبل أن يفقدها، متمنيًا أن يأتي اليوم الذي ينحت فيه تماثيل من مواد أخرى لا تؤدي إلى إهدار جهده وفنه.
تمثال الرئيس
نجع حمادي: نجوى عمران