أخبار عاجلة
المحامي أحمد عبد الغني
المحامي أحمد عبد الغني

أحمد عبد الغني يكتب: جاموسة عم سعد

نستيقظ كل صباح على اذان الفجر وذلك ليس لمواظبتنا على الصلاه وانما لبعد المسافه بين منازلنا ومدارسنا، فتقوم والدة كل منا بجمع الاحطاب كى تشعل النيران على صفيحة المياه، كي نغسل وجوهنا وأيدينا قبل الذهاب الى المدرسة.

وفي غضون كل ذلك نكون على اهب الاستعداد الى سماع الاشارة وهي “جاموسه عم سعد اطلقت” فنترك كل ما بايدينا ونذهب مسرعين خلف جاموسة عم سع،د ونطوف خلفها الدروب والحوارى ونقفز فوق أسوار الجناين حتى نلحق بها ونحاصرها، فيما تتصاعد النداءات “حلق ياود حلق ياود” وتكتسب أجسامنا من الكر والفر حرارة شديدة.

وبعد محاولات الكر والفر ونصب الكمائن إذا أحدنا يتمكن من الإمساك بجاموسة عم سعد، فيصبح هذا الولد بطل اليوم ويرجع ممسكا بها يتقدمنا ونحن خلفه كأنه قائد ونحن جنوده، ونرى فى حله العوده كل الامهات فى انتظارنا على أبواب المنازل حتى يروا بطل هذا اليوم وحتى يطمئن على أولادهم.

اما بنات القرية يظلون معلقون فى النوافذ يوزعون الابتسامات على البطل الممسك بجاموسة عم سعد وينظر إليهم بكبرياء وعظمه وتمتد هذه الحالة لباقى اليوم بين البطل والفتيات، وعند ذهابنا إلى المدرسة يتوسطنا هو ونحن عن يمينه ويساره، ويطرف بعينيه ناظرا الى فتيات القرية على الناحيه الاخرى من الطريق ونجدهم جميعا ينظرون إليه ويرسلون إليه الابتسامات الرقيقة تدور بينهم أحاديث نثق أنها تتعلق بهذا البطل.

وتمر الأيام وفي كل يوم يتم الإعلان عن بطل جديد وهو من أمسك بجاموسة عم سعد، هذه المرة وهكذا كل يوم حتى نصل الى نهاية المرحلة الابتدائية، ونذهب الى المرحلة الاعدادية، وتتوقف بنات قريتنا عن الذهاب الى المدارس يكتفى اهاليهم بهذا القسط فيقل الحافز لدينا ويصاحبه أننا قد بدأنا نتجاوز مرحلة الطفولة وظهور اطفال جدد يقومون بدورنا مع جاموسه عم سعد.

وفى احدى الايام ومع انتظارنا لسماع إشارة كل يوم “جاموسة عم سعد أطلقت” إذا بنا هذه المرة نسمع الإشارة ولكنها قد تغيرت وأصبحت “عم سعد باع الجاموسه” وتوقفت الحياة للحظات فى تلك القرية والكل ينظر لمن حوله فى ذهول تام البعض يسترجع ذكرياته في تلك الايام ويتذكر اليوم الذي يمسك فيه بجاموسة عم سعد واصبح بطلا لهذا اليوم وبالنظر لوجوه أهل القرية تجدها تحمل تعبيرات كثيرة ولكن لم ينطق منهم أحد ولو بكلمة واحدة تفسر أو تبرر ماحدث.

وكان عم سعد فى حاله لا يرثى لها فظل أهل القرية يعزونه بنظراتهم وظل هو في حالة حداد ومرت الأيام حتى بلغنا مرحلة التعليم الجامعى، وهنا بدأنا نفهم هذه الأحداث وما كان يدور من حولنا واول ما نما الى علمنا ان هؤلاء الفتيات اللاتي كانوا يصاحبوننا الى المدرسه اصبحن امهات ويحملون اطفالا “كالنخلة التى انجبت فسيلة اخرى قبل ان تاتى هيا بثمارها”، وتبين لنا ان عم سعد كان من أكبر مقاومة الاحتلال البريطانى وأنه كان يطلق جاموسته كل يوم متعمدا لكي يدربنا بشكل غير تقليدى على المعارك مع عدو الاحتلال وان عم سعد حينما باع الجاموسة كان نتيجة ضغط من سلطة الاحتلال بعدما نما الى علمهم ما يقوم به عم سعد و جاموسته تجاه وطنهم.

ولكن ما لم نفهمه الى الأن، كيف لهذه الجاموسة التي كانت تخترق الدروب والحوارى صاحبه البنيان الضخم ان تنصاع فى النهاية لإرادة طفل من بيننا، ثم إنه لم نسمع يوما أنها اصابت أحدا بمكروه او اوقعت خسائر باحدى البنايات ؟ يبدو ان جاموسه عم سعد كانت مدركة الدور الذى تقوم به ونحن فقط كنا لا نفهم.

عن بتوقيت النجع

شاهد أيضاً

أسطوات الغناء الشعبي

محمود عبد الشكور يكتب: عرفت الفلكلور من قلب القرية.. و أسطوات الغناء الشعبي أفضل كتاب في 2021

مفتون أنا بالغناء الشعبي وراثة عن أبي الصعيدي، الذي كان يسحب مقعدا ليقضي اليوم بطوله …